Ultimate magazine theme for WordPress.

غلاء الأسعار في زمن المعركة الكبرى

193
بقلم عبد الهادي مزراري
لا تخطئ عين فرد من أفراد الشعب صعوبة الظروف التي يواجهها المواطنون بسبب الارتفاع المهول للأسعار، التي تجاوزت المواد التي نستوردها، وطالت المواد التي نصدرها، وهنا مكمن السؤال المحرج، بماذا تيرر الجهات المسؤولة الاثمنة الملتهبة لمنتوجات ينتجها المغرب ويصدرها، في وقت سبق لها أن علقت قميص الغلاء للمواد المستوردة على مشجب تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
في خضم ما أكتب عن السياسة الخارجية والتحديات الأجنبية التي يواجهها المغرب، تلقيت أسئلة من القراء والمتابعين حول سبب التغاضي عن مواضيع آنية تقض مضجع المواطنين وعلى رأسها في هذه الأيام موجة ارتفاع الأسعار في المواد الاستهلاكية بشكل غير مسبوق وبصورة لا طاقة لعباد الله على تحملها.
بعيدا عن لغة الخشب، وتجنبا للأسطوانة المشروخة، التي يردد مسؤولون في الحكومة “أن سبب الغلاء مرتبط بظروف دولية، وان الأمر يتعلق بظاهرة عامة تشمل كل البلدان مع استثناءات قليلة”.
بعيدا كذلك عن الأصوات التي تنفخ في الرماد وتريد أن يكون غلاء المعيشة في البلاد سببا وجيها لاندلاع انفجار اجتماعي تكون له عواقبه على الاستقرار السياسي.
هنا، وليس في موقع من يمسك العصا من الوسط، لأن الأمر أهم بكثير من إطلاق أوصاف معينة أو إصدار أحكام جاهزة، فالمسألة مهمة وحيوية بالنسبة لبلدنا المغرب، الذي يمر في مرحلة تاريخية تقتضي أن نكون أو لا نكون.
حول هذه المرحلة، يجب ان نكون واعين بالقرارات الصعبة والمصيرية التي اتخذتها المملكة على صعيد تموقعها الإقليمي والدولي، انطلاقا من موضوع تثبيت الوحدة الترابية، منذ نونبر 2020.
قررت المملكة القطع مع خيار الهدنة في مواجهة الدول التي تقف في المنطقة الرمادية، وهذا تحدي كبير يستلزم الإعداد الكامل للمواجهة مع قوى كبرى كانت تستغل المغرب من الثغرة المتعلقة بسيادته على ربوعه الصحراوية.
إننا نوجد في قلب معركة كبرى، وسجلنا كم انتصارا حققته السياسة الخارجية، لكن الطريق ما زال طويلا ومعقدا والخصوم لا يتوقفون عن استهداف المغرب ومحاولة إضعافه وإرجاعه إلى مربع الاستسلام.
إن الهجوم الشرس والمدروس، الذي تتعرض له المملكة من قبل الاتحاد الاوروبي ومؤسساته، هو جزء من تلك الحرب التي يريد العدو تقزيم المغرب ومنعه من أي دور ريادي قاري أو إقليمي، او حتى وطني وتكون له بنية اقتصادية قوية في مجالات الصناعة والزراعة والطاقة والرياضة.
إن الانجازات التي يحققها المغرب ويستخدمها في تعزيز سيادته تسبب له عداوات إقليمية تشمل دولا في الجوار وكذلك دولا في اوروبا، وهذا أمر لا يجب الاستهانة به، لأن من ركب فرسا وحمل رمحا فهو في عداد المقاتلين، بينما هم (الخصوم) لا يريدون لك أن تكون فارسا.
من هنا أعود إلى موضوع غلاء الأسعار وما يمكن أن يشكله من سلاح بيد العدو لضرب الاستقرار الاجتماعي، الذي هو واحد من أركان قوة الجبهة الداخلية.
رأينا في الأيام الماضية حملة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي تشجب وتدين الغلاء الفاحش لأسعار البطاطا والطماطم والبصل والبيض، ويتفاعل معها المواطنون بنسب كبيرة. بينما ترافقها حملة منظمة أخرى في وسائل الاعلام الاوروبية وتحدبدا الفرنسية تقطر الشمع على جروح المغرب، في مشهد .يحاكي المجرم الذي أحرق بيتا بشمعة بدعوى أنه كان يريد فقط إنارة المكان.
أنا هنا لست لتبرير التغاضي عن ارتفاع الأسعار بحجة أن هناك من يستغل ذلك لضرب الاستقرار السياسي في البلاد، بل أتوجه إلى المسؤولين في البلد، وتحديدا الحكومة التي انتخبها الشعب، واعتبرها مسؤولة عن تقوية الجبهة الداخلية، وأنها بالتغاضي عن تردي الوضع المعيشي للناس تقدم مسدسا فوق طبق من ذهب إلى العدو وتقول له “اطلق النار على وطني”.
إن حملة مراقبة الأسعار التي صورتها وسائل الإعلام في مشاهد يتقابل فيها رجال السلطة العمومية مع أصحاب الدكاكين وعربات الخضر، تشبه من يعالج مياه النهر في المصب ويتجاهل منبع النهر.
ليس البائع المباشر هو من ذبح الثور، وإن كان يتاجر في بعض أقساطه، هناك شبكة من المضاربين والسماسرة، تفصل بين المنتج والمستهلك، وإذا كان من دور اجتماعي لفخامة الحكومة “الاجتماعية”، فالأجدر بها أن تضع برنامجا فوريا لتطهير معبر السلع من المرتزقة، الذي يبيعون البيضة على اربع أو خمس مرات وهي ما تزال في بطن الدجاجة.
إن مسؤولية الحكومة أن تكون مبتكرة للحلول الناجعة، وليس لاجترار المصطلحات المعلبة، وانتهاج الأساليب المضحكة المبكية. فالبلاد دخلت في معركة كبرى مع قوى عالمية، وإذا كان قائد البلاد منهمكا في ملفات بحجم التحدي، فالاولى بمن تقلدوا المسؤولية من صناديق الاقتراع أن يصحوا من نومهم ويدركون حقيقة الرهان، فإما لكسبه أو تضييعه.
إن أطرافا معادية في الاتحاد الأوروبي تقوم بتجنيد مؤسساته، وهذا يقتضي منا أن نكون نواة صلبة من الداخل، لمواجهة هذا الخطر، ولا يمكن أن نكون كذلك إلا باحترام أنفسنا واحترام شعبنا، ويجب على مؤسساتنا أن تقوم بنفض الغبار عن أدوارها الحقيقية وتقدم أشخاصا حقيقيين يتصفون بالكفاءة والنزاهة في تلبية مطالب المجتمع والدفاع عن الوطن.
طابت أوقاتكم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.