Ultimate magazine theme for WordPress.

عبقرية الملوك العلويين بإفريقيا

129
لقد حفل العهد الحسني الزاهر بأحداث بارز سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي في الداخل وفي الخارج فعلى المستوى السياسي انصرف اهتمام جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه منذ توليه مقاليد الأمور إلى ترسيخ دعائم الحرية بإجلاء الجيوش والقواعد من بلادنا الشيء الذي أكد السيادة الوطنية، وهكذا اقترن الاحتفال بعيد الاستقلال لسنة 1961 بالاحتفال يعيد الجلاء، نفس الشيء تكرر بصور أخرى لتحقيق السيادة الوطنية وترسيخها في مناطق سيدي إفني وطرفاية وقبلهما المنطقة الشمالية وطنجة، واستمر رحمه الله بالمطالبة باقي الأقاليم من نير الاستعمار، سواء على مستوى المفاوضات بين المغرب واسبانيا أو على مستوى المنظمات الدولية واللجنة المختصة في الأمم المتحدة، هذه المساعي التي توجت في سنة 1975 بإعلان جلالته تنظيم المسيرة الخضراء التي فاجأت العالم واعتبرت حدث القرن. وقد شارك فيها 350.000 متطوع من الرجال والنساء، انطلقوا من جميع جهات المملكة نحو الصحراء المغربية لصلة الرحم مع إخوانهم فيها مسلحين بكتاب الله عز وجل وإيمانهم بقضيتهم وعلى إثرها تم جلاء الاستعمار الاسباني.
وعلى المستوى الداخلي خاض المغرب معركة لا تقل أهمية عن معركة التحرير والوحدة  حيث انصب اهتمام جلالة الملك الحسن الثاني أسكنه الله فسيح جناته على وضع أسس تمكن الشعب المغربي من مؤسسات تمثيلية على الأصعدة المحلية والجهوية والوطنية.      
  وهكذا عرفت سنة 1962 الاستفتاء على أول دستور للمملكة ساير روح العصر ومتفق مع مبادئ الإسلام الحنيف ومن تم عاش المواطنون فرصة افتتاح أول دورة للبرلمان في نوفمبر 1963 وهي الخطوة الأولى في سبيل بناء صرح الديمقراطية وتثبيت دعائمها وبالرغم من العثرات التي تعرفها كل التجارب الكبيرة فإن المسلسل الديمقراطي سرعان ما استعاد حيويته برجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي واليوم صارت التجربة الديمقراطية المغربية  نموذجا يحتدى بها على الصعيدين الاقليمي والدولي.
وكما عرف العهد الحسني حيوية في مجال السياسة الداخلية عرف المغرب إشعاعا دوليا جعل من بلادنا منطلقا لعديد من المبادرات التي ترمي إلى حل كثير من المشاكل التي تتخبط فيها البلدان العربية والإفريقية والإسلامية.
فقد عمل جلالته قدس الله روحه على تعزيز الوحدة الإفريقية والدفاع عن قضاياها في التحرر من الاستعمار، ومحارب التخلف والفقر، كما أسهم بحظ وافر في بناء المغرب العربي الكبير، لولا العراقيل التي يضعها خصوم الوحدة في سبيل تحقيق هذا الهدف، بنفس الحماس  عمل المغرب في عهد جلالة الملك الحسن الثاني على نصرة القضايا العربية وساهم بفعالية في مختلف اللقاءات، فكان لجلالته نضال كبير في توحيد الصف العربي  ومواجهة إسرائيل أكثر من ذلك فقد اشترك المغرب بقواته المسلحة الملكية في الدود عن الكيان العربي سواء في سيناء مصر أو جولان سوريا وأظهر الجندي المغربي مثالا للبسالة والتضحية والفداء حينما تطلب الموقف العربي ذلك.
لقد كانت قضية فلسطين قضية مثيرة بالنسبة لبلادنا، وفيها اتخذت أهم القرارات التي تحضى القضية العربية الأولى وما مؤتمرات القمة التي انعقدت بالرباط وفاس والدار البيضاء إلا علامات في هذا السبيل، ونخص بالذكر مؤتمر الرباط لعام 74 الذي كرس تمثيلية منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني والدور الطلائعي والفعال الذي لعبه المغرب من أجل الإجماع العربي على اتخاذ هذا القرار التاريخي بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
على المستوى الإسلامي كان المغرب أول من احتضن مؤتمر القمة الإسلامي الأول في سبتمبر 69 يدعو من جلالة المغفور له الحسن الثاني بعد جريمة إحراق المسجد الأقصى ، هذا المؤتمر الذي انبثقت عنه منظمة المؤتمر الإسلامي ومؤسساتها التي تتحرك إلى اليوم بحيوية سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية ومازال همها الأول أن تكون في مستوى التحديات التي تجابهها قضي فلسطين والأماكن المقدسة بها.
إن جردا كاملا لما تحقق خلال العهد الحسني يحتاج لعد مؤلفات وآلاف الصفحات بالإضافة إلى الشهادات المنطوقة أو المكتوبة أو المرئية التي عبر عنها العديد من رؤساء الدول والشخصيات السياسية والفكرية من مختلف أنحاء العالم عن عبقرية الحسن الثاني في إسعاد الإنسانية.
وها هو وارث سره جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وهو يواصل، ليل نهار، العمل الدؤوب من أجل وضع المغرب على سكة القرن الواحد والعشرين، مع ما يتطلبه ذلك من عصرنة وتحديث، عنوانهما تلكم الأوراش الكبرى التي أطلقها جلالته سواء بالقارة السمراء او بالمملكة المغربية من شمالها إلى جنوبها، وتعزيز مغربية الصحراء على الساحة الدولية والنهوض بالأقاليم الجنوبية وجعلها قاطرة للتنمية الإقليمية والقارية.
وفي ظل هذه التغيرات و التحولات العالمية و انزلاق الغرب الى معسكرات الانغلاق و الاحتراز تجاه الاجانب و اللاجئين و تنامي العنصرية و القومية بين بلدانهم، شكلت فرصة حقيقية للمملكة المغربية نحو تزعم شكل جديد من التحالفات و الاتحادات الإقليمية بإفريقيا لمواجهة تحديات الامن و الاقتصاد و السياسية. و وضع سبل ناجعة لقضايا اللاجئين و ضمان كرامتهم و سهولة اندماجهم باعتباراتهم الإنسانية.  و لما يشكلونه من موارد و امكانات اقتصادية و إنتاجية و ذلك بادماجهم في النسيج الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي للمنطقة الإفريقية. و السعي للانفتاح على العالم من منظور جديد مبني على الندية و التكافل و الاتحاد. و الانخراط في السياسات الكونية من مكان الفاعل لا المفعول به. لهذا فان عصر التشكلات و الاتحادات الإقليمي يميل لصالح إفريقيا. و الثقة الكامنة في قيادة المملكة لهذا الاتحاد لما يتمتع به من قوة و حكمة جعلت منها القوة الاولى اقتصاديا و سياسيا و عسكريا و أمنيا بالمنطقة. كما ساعدها حضور المملكة الروحي من خلال نشر الإسلام المعتدل و نبذ و محاربة التطرف والإرهاب داخل و خارج المملكة. في عمليات وصفت بالنوعية.
خلاصة القول ان المملكة  تخطو بخطوات ثابتة يتقدمها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وارث سر المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه تجاه إفريقيا بعزم و ثبات. فما ان وصلت مواكب الشرف الى العمق الإفريقي حتى سبقتها نسمات الاخوة و التعاون الوفاء، تطيب أرجاء البيت الإفريقي أملا، و تعانق عنان السماء، لكنها خنقت من الغيظ حناجر الأعداء.
إفريقيا الموحدة القوية لا مكان فيها للخونة و لا مكان فيها للانفصاليين و لا مكان فيها لدعاة التقسيم و التشتت و الارهاب و التطرف.
هذه الخطوة ما هي الا واحدة من مسار عبقرية الملوك العلويين الذين  يسعوا دائما وأبدا من اجل التطور و الازدهار و النماء لسائر إفريقيا  حيث جعلوا من القارة السمراء كيان واحد
“كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب. (…) فأفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي. لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد”، ..
كلمة قالها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله خلال حفل اختتام القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.